بمناسبة اليوم العالمي للتسامح والذي يوافق يوم 16 نوفمبر من كل عام، يؤكد مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف على أن تعزيز القيم الإنسانية والتربوية لحقوق الإنسان تنطلق من إشاعة قيم التسامح باعتبارها جزءاً حياً وفاعلاً في هذه الحقوق، وأن جوهر التسامح قائم على مبدأ الحق في الاختلاف، والاعتراف لكل شخص بحقه في حرية اختيار معتقداته والقبول بأن يتمتع الآخر بالحق نفسه. أن التسامح ونشر قيم الديمقراطية وثقافة حقوق الانسان في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، يعد مطلباً ملحاً لمواجهة انتشار قيم التعصب والكراهية والعنف والإرهاب.
وتعتبر الأمم المتحدة التسامح "ليس فقط واجبا أخلاقيا" ولكن أيضاً التزاما سياسيا وقانونيا "للأفراد والجماعات والدول"، مطالبة الدول "بصياغة تشريعات جديدة عند الضرورة لضمان المساواة في المعاملة وتكافؤ الفرص لجميع الفئات والأفراد في المجتمع". غير أن السلطات المصرية والتي كانت قد سبق ووافقت طوعياً على ما يقرب من 25 توصية تتعلق بنشر قيم التسامح والتنوع الثقافي، وحماية حقوق الأقليات، أمام مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة في ختام الجولة الثانية للاستعراض الدوري الشامل لسجل حقوق الإنسان في مصر في مارس 2015. لم تتخذ أي خطوات تذكر لنشر قيم التسامح وحماية الأقليات ومنع التمييز.
بل على العكس أظهرت استخفافا متواصلا بهذه التعهدات التي قطعتها على نفسها، علاوة على ذلك أصرت على انتهاك مواد الدستور خاصة (المادة 53) والتي تنص على أن "التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وأن تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض"، فعلى الرغم من مرور أربع سنوات على إقرار الدستور، لم تتخذ السلطات المصرية إجراءات جادة لإنشاء المفوضية المستقلة لمكافحة التمييز، بل أظهرت تخاذل كبير في التصدي للتمييز الذي يمارس ضد الأقليات واللاجئين في مصر، هذا بالإضافة إلى عدم معاقبتها للمحرضين على القتل، ويظهر ذلك من خلال الوقائع التالية:
- التمييز ضد الاقباط:
مازال يواجه الاقباط تمييزاً سواء فيما يتعلق بالقتل على الهوية الدينية كما حدث مع القس سمعان شحاته، كاهن كنيسة القديس يوليوس الاقفهصي، بعزبة جرجس التابعة لإيبارشية الفشن محافظة بني سويف، والذي قتل على يد شاب اثناء تواجده بالقرب من منطقة مؤسسة الزكاة بمدينة السلام بالقاهرة، أو ما حدث مع اقباط العريش الذين تم اغتيال 7 منهم رميا بالرصاص وإحراق اثنين أحياء وسط تهديدات لبقية المسيحيين في المدينة، بل وإصدار التهديدات العلنية لكل مسيحيين مصر، وقد جاءت هذه الجرائم وسط تخاذل حكومي يصل لدرجة التواطؤ مع التنظيمات الإرهابية بعدم توفير الحماية للمواطنين الاقباط في العريش الذين يقتلون على الهوية الدينية، مما دفع أعداد متزايدة منهم إلى ترك موطنهم وممتلكاتهم وأعمالهم في العريش والنزوح إلى مدن أخرى.
أو من خلال الاعتداء على الكنائس ومنع ممارسة الشعائر الدينية كما حدث في كنيسة الأمير تادرس في قرية كفر الواصلين بمركز أطفيح بمحافظة الجيزة، عندما تعرضت للاعتداء والتخريب على أيدي مئات من مسلمي القرية، بعد انتهاء صلاة الجمعة، وذلك في ظل غياب الامن تماماً، وهم يرددون هتافات دينية وأخري عدائية ضد الاقباط، تطالب بهدم الكنيسة، وقد انتشرت مقاطع فيديو على مواقع الانترنت تظهر عشرات أمام مبني الكنيسة، وهم يرددون هتافات من بينها: "بالطول بالعرض هنجيب الكنيسة الارض"، وصور تظهر حجم التخريب الذي طال الكنيسة.
يري مركز أندلس أن الحكومة المصرية لم تتخذ من الخطوات والإجراءات ما يلزم لمقاومة جذور ظاهرة التطرف والطائفية، بداية من إعادة هيكلة منظومة التعليم واستحداث مناهج تعليمية ترسخ ثقافة التعددية وقبول الاخر، مروراً بتفكيك الحواضن الاجتماعية والثقافية التي تساعد على نمو التطرف والإرهاب، ونهاية بالإصلاح الديني الضروري لمجابهة الأيديولوجية الإرهابية، بجانب الحلول الأمنية التي في الغالب تفشل -وحدها- في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، الذي لا يمثل تهديداً ليس فقط للمسحيين، ولكن للمجتمع ككل.
2. التمييز ضد أهالي النوبة:
عانى أهالي النوبة من التمييز والتهجير القسري واجبروا على إخلاء منازلهم وأراضيهم، نظراً لظروف بناء السد العالي على نهر النيل، ليبدأوا بعدها رحلة الشتات خارج أرضيهم، ومنذ ذلك الحين وهم يحلمون بحق العودة، والذي يعني حق النوبيين في إعادة توطينهم حول بحيرة ناصر وتمكينهم من تطوير الأراضي المحيطة بها، وبينما تعتبر الاستحقاقات الدستورية التي أقرها دستور 2014 نقطة تحول في القضية النوبية حيث نص الدستور المصري على إعادة سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، إلا أن قرارات الدولة فيما بعد جاءت لترسيخ التمييز ضد النوبيين ومخالفة للالتزامات الدستورية. ففي 29 نوفمبر 2014 صدر القرار الجمهوري رقم 444 الذي اعتبر 16 قرية نوبية من أصل 44 قرية من قرية العلاقي شمالا إلى أدندان جنوبا، أراض حدودية عسكرية. وبذلك يعد القرار 444 انتهاكا واضحا لحق العودة الدستوري حيث أنه يحرم النوبيين من العودة إلى 16 قرية حول بحيرة السد. وتبع ذلك قرارا آخر وهو القرار 355 الذي استبعد النوبيين من أي مشاورات حول تنمية مدينة توشكى بالرغم مما يقره الدستور من مشاركة للنوبيين في عمليات التنمية التي تخص أراضيهم.
وقد نظمت عدة فعاليات احتجاجية حول هذه القرارات كما تم رفع قضيتين أمام المحاكم المصرية مطالبين بوقف العمل بالقرار 444 والتي أوصت هيئة مفوضين مجلس الدولة بإلغائه. ففي 3 سبتمبر 2017 وهو اليوم الموافق ليوم "التجمع النوبي" من كل عام، قام بعض أهالي النوبة بتنظيم احتفالية باستخدام الدفوف وهي الآلة الأكثر استخدام في فن الغناء النوبي، لإحياء مطالب المواطنين النوبيين التاريخية المتعلقة بحق العودة. وألقت قوات الأمن القبض على 24 ناشطا نوبيا من بينهم رئيس الاتحاد النوبي العام السابق، والمدافع عن حقوق الإنسان محمد عزمي، ووجهت إليهم النيابة العامة تهما بالتظاهر بدون تصريح والتحريض على التظاهر والاخلال بالأمن العام وإحراز منشورات وتلقي تمويلات وغيرها من التهم التي تضاف لكل قضية مشابهة، وأمرت النيابة باحتجازهم لمدة 4 أيام على ذمة القضية. شن اهال النوبة حملات إلكترونية عدة للتعريف بقضية معتقلي الدفوف ومطالب أهالي النوبة، مما أدي إلى تضامن العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مع القضية واستمرت حملات التدوين لعدة أيام. كما لجأت بعض الفتيات النوبيات لإعلان الإضراب الجزئي عن الطعام للاعتراض على استمرار حبس والتنكيل بمعتقلي الدفوف بل والقبض على بعض الأهالي أثناء أحدي جلسات التجديد، ليصبح العدد وقتها 33 معتقل بونبي، أفرج عن 7 منهم يوم 21 أكتوبر 2017.
وفي 15 نوفمبر 2017، قررت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ في اسوان إخلاء سبيل معتقلي الدفوف، وذلك بعد استمرار حبسهم لمدة 75 يوماً، وتأجيل الجلسة إلى 12 ديسمبر 2017، - مازالوا إلى الان يحاكمون - وكان جمال سرور رئيس اتحاد النوبيين في فرنسا ويحمل الجنسيتين المصرية والفرنسية وهو أحد المعتقلين في القضية قد توفي في حبسه، عقب تعرضه لأزمة صحية داخل محبسه بقوات الأمن بمنطقة الشلال بعد منع العلاج عنه حتى تدهورت حالته الصحية نتيجة إضرابه عن الطعام، احتجاجا على اعتقالهم واستمرار حبسهم دون قضية.
3. تهميش بدو سيناء
لطالما تعرض سكان شبه جزيرة سيناء للإهمال والتهميش والتمييز، حيث يحظر على أهالي سيناء تولي المناصب العليا في الدولة، كما لا يمكنهم العمل في الجيش او الشرطة أو القضاء أو السلك الدبلوماسي، كما لم تشهد شمال سيناء إقامة أي مشاريع إنمائية خلال الأربعين عاماً الماضية، ولا تضم مدينتي رفح أو الشيخ زويد أي مدرسة أو مستشفى أو نظام حديث لتوفير مياه صالحة للشرب، بل يعتمد السكان على مياه الأمطار والآبار، حالهم كحال أهل العصور الوسطي.
كما أنه في الوقت الذي ترزح فيه سيناء تحت موجة من اعمال العنف، يجد سكان سيناء أنفسهم معرضين لعقاب جماعي من قبل الحكومة المصرية التي تعاملهم كمجرمين أو متعاونين مع المقاتلين في تلك المنطقة، كما أن استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي تنتهجها الدولة المصرية تعامل البدو باعتبارهم جزءاً من مشكلة سيناء الأمنية، حيث يتم توقيف المئات من سكان سيناء بطريقة عشوائية على أساس الهوية، وغالبا ما يتم تعذيبهم وتركهم يقبعون في السجون لفترات طويلة دون أن توجه لهم أي تهمة، وهو ما يتم في ظل شح معلوماتي شديد ينعكس على تغطية وسائل الاعلام.
ونتيجة لتردي الأوضاع المعيشية والأمنية الناتجة عن المواجهات في شمال سيناء، فضلا عن الاخلاء القسري التي يتعرض له أهالي سيناء لتنفيذ المنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة، جعل سكان رفح والشيخ زويد يبدؤون في موجات من النزوح عن مدينتهما، ليجتمع عدد كبير من تلك الاسر داخل مدينة العريش، خاصة في مدينة المساعيد، ومناطق أخري على أطراف المدينة، وهو ما يجعلهم يتعرضون لمضايقات أمنية وتمييز على أساس الهوية، فيتحدث أحد أبناء رفح القاطنين في المساعيد عن الحذر الشديد الذي اصبح يحكم تحركاتهم في العريش: "عندما نريد الذهاب لوسط المدينة، نتصل بأقارب لنا في أماكن متفرقة لنتأكد من عدم وجود حملات أمنية، ونحاول أن نطمئن أن الطرقات مستقرة أمنياً، وغالباً نستقل المواصلات العامة المزدحمة بالأهالي من كل الجهات للهروب من التدقيقات الأمنية والتوقيف العشوائي، وبشكل عام لا نترك محيط مسكنا إلا في حالات ضيقة للغاية". ويؤكد: "الامن يستهدفنا بشكل مباشر وعلينا أن نكون دائما على حذر، بطاقاتنا الشخصية أصبحت مصدر خطر دائم علينا".
4.التمييز ضد اللاجئين:
يتعرض عدد من اللاجئين في مصر إلى التمييز التي قد يترتب عليه حرمانه من حقه في الحياة، كما حدث مع جبريال توت وهو مهاجر من جنوب السودان لجئ إلى مصر هو وأسرته عام 2005، ويعمل في مدرسة بحي عين شمس تأسست عام 2007 لتعليم أبناء السودانيين والمهاجرين من جنوب السودان، والذي قتل في 9 فبراير 2017، على يد شاب مصري في العقد الثالث يدعي عماد حمدي، ويملك محلاً لأدوات البناء بجوار المدرسة. وبعد الاعتداء على الحارس، دخل عماد المدرسة، التي تخدم 200 طالب وتعمل تحت إشراف مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ووزارتي التضامن الاجتماعي والتربية والتعليم المصريتين، وأخذ في توجيه السباب لثلاثة من المدرسين من بينهم توت، قائلًا: «انتو حيوانات.. انتو أغبيا»، بحسب ماركو دينج، قس من جنوب السودان ومدير المدرسة. وأشار دينج إلى أن الشاب المصري وشخصًا آخر كانا معتادين على توجيه تعليقات مسيئة وتهديدات بالاعتداء لتخويف الأطفال أثناء خروجهم من المدرسة.
استنجد المدرسون بجار مصري كبير السن ليحاول تهدئة عماد، إلا أن القاتل تربص بالعاملين والمدرسين أمام المدرسة، وفور خروج توت ضربه على رأسه من الخلف بقضيب معدني، فأردته الضربة قتيلاً على الفور. ويقول دينج أن "هناك مشكلة لدى القاتل وشخص آخر من المنطقة مع كل ذوي البشرة السوداء، لقد هدداني من قبل بمُسدس، وقاما بالاعتداء على معلم آخر بالمدرسة»، واقتصرت المشاكل في الشارع الذي تقع فيه المدرسة على هذين الرجلين فقط، بحسب دينج، لكن الأمور وصلت إلى حد سيء لدرجة أنه كان يخشى السير ليلًا في المنطقة. يضيف دينج: «كان المتهم يهين كل السودانيين في الحي. لقد كان القتل عمدًا، وتم دون شِجار»، متذكرًا: «قال لي: أنا بأكره أي حد اسود». كما قال "اننا نخشى من اعتداءات مُستقبلية. اتصلتُ بالمعلمين لنفتح المدرسة (يوم 20 فبراير) ولم يحضر أي منهم. حضر بعض قيادات المنطقة وأعضاء مجلس الشعب عن دائرة عين شمس إلى المدرسة، ولكن لم تتواجد عناصر من الأمن، وكان علينا إغلاق المدرسة والعودة إلى منازلنا".
5. التمييز ضد المرأة:
بالمخالفة للدستور والاطار التشريعي الذي يقضي بعدم جواز التمييز على أساس النوع وتحديداً التمييز ضد النساء، يأتي العرف والتقاليد القضائية التي جرت على عدم تعيين المرأة من مناصب القضاء، حيث لازال القضاء الإداري المصري يصر على حرمان المرأة من تولي المناصب القضائية بمجلس الدولة، وايدت ذلك المحكمة الدستورية العليا في أحد أحكامها الذي قضي برفض تعيين موظفة إدارية بمجلس الدولة المصري في الوظائف الفنية به وقد استند هذا الحكم إلى السلطة التقديرية المخولة للجهة الإدارية في تقدير ملاءمة تعيين المرأة في منصب معين، كما استند إلى الدستور الذي ينص على ان الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وانه لذلك يجب عدم الإخلال بما تقضي به أحكام الشريعة الإسلامية.
وفي تمييز صريح ضد المرأة رفض مجلس الدولة تعين "أمنية طاهر محمد جادالله" خريجة كلية الحقوق دفعة 2013، على الرغم من صدور حكم لصالحها، مما يشكل انتهاكا صريحا لمواد الدستور التي تنص صراحة على تعيين المرأة في كافة الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها، كما أصدر رئيس الجمهورية قرار بتعين خريجي دفعة 2013 من الذكور واقصاء الخريجات كلية بما يشكل تمييزا واضحاً وخرقا لنصوص الدستور.
6.التحريض على القتل:
يواجه عدد من المدافعين عن حقوق الانسان والمعارضين السياسيين حملات تهديد بالقتل وتحريض على العنف، ففي 21 مارس 2018 قام أحد مقدمي البرامج التلفزيونية بالتحريض على قتل بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، وذلك رداً على مذكرة وجهت إلى الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص الانتخابات الرئاسية المصرية من طرف سبع منظمات حقوقية مستقلة، ودعا السلطات المصرية إلى التعامل معه (أي بهي الدين حسن) على شاكلة الجاسوس الروسي، في إشارة إلى الهجوم بغاز الاعصاب على "سيرجي سكريبال" في المملكة المتحدة. وكان بهي الدين حسن قد اضطره لمغادرة البلاد منذ نحو 4 سنوات نتيجة تواصل حملات التهديد بالقتل.
وفي 12 سبتمبر 2018، حرض الإعلامي محمد الباز -المقرب من النظام الحاكم- على قتل ثلاثة من المعارضة المصرية في الخارج، وهم أيمن نور زعيم حزب غد الثورة، والاعلاميان معتز مطر ومحمد ناصر، وقال الباز في برنامجه "90 دقيقة" على فضائية المحور "لو في حد مصري يطول معتز مطر أو ايمن نور أو محمد ناصر يقتلهم، ولو هاتقول لي أنت بتحرض على القتل، أه باحرض على القتل، وإذا أتيح لأحد أن يقتلهم فليفعل". واتهم الباز المعارضين الثلاثة إضافة إلى قيادات جماعة الاخوان المسلمين وجميع الإعلاميين المصريين في تركيا بالرغبة في "تخريب الدولة وفناء الجيش والشرطة"، مؤكدا أنهم يستحقون القتل.
واستمراراً لسياسة الإفلات من العقاب وحماية الابواق الإعلامية المؤيدة للنظام الحالي لم تتخذ السلطات أي أجراء ضد هؤلاء المحرضين على القتل، على الرغم من نص المادة 40 من قانون العقوبات، وانه بحسب ما قضت به محكمة النقض "لا يلزم لتوافر التحريض على الجريمة قانوناً أن يكون للمحرض سلطة على المحرض تجعله يخضع لأوامره. بل يكفي أن يصدر من المحرض من الأفعال أو الأقوال ما يهيج شعور الفاعل فيدفعه للإجرام". وهو ما يستوجب العقاب بنص المادة 171، والتي تقضي بأن "كل من حرض واحداً أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علناً أو بفعل أو إيماء صدر منه علناً أو…. أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكاً في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا التحريض وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل، أما إذا ترتب على التحريض مجرد الشروع في الجريمة فيطبق القاضي الأحكام القانونية في العقاب على الشروع".
الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة تلتزم في تدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، وتكمن هذه الضرورة في جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وهي أكثر أهمية الآن من أي وقت مضي خصوصاً في هذه الحقبة التي تشهد زيادة التطرف العنيف واتساع الصراعات التي تتميز بتجاهل أساسي للحياة البشرية. ففي عام 1996 دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 نوفمبر، وذلك من خلال القرار 95/51 المؤرخ في 12 ديسمبر، والذي يقر القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور، وقد جاء هذا الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في عام 1993 بأن يكون عام 1995 سنة الأمم المتحدة للتسامح، وأعلنت هذه السنة بناء على مبادرة من المؤتمر العام لليونسكو في 16 نوفمبر 1995، حيث اعتمد الدول الأعضاء إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح. كما صدرت وثيقة أخري عن مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 بالتزام الأعضاء والحكومات العمل على النهوض برفاهية الانسان وحريته وتقدمه في كل مكان بتشجيع والحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب باعتبار هذا اليوم من الأيام الإنسانية العالمية لحقوق الانسان.
ومن ثم يطالب مركز اندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف بضرورة الوقوف في وجه الانتهاكات المتواصلة والاعتداءات على حقوق الانسان الفردية والجماعية وسياسات التمييز ضد المرأة والأقليات واللاجئين، والتصدي لخطاب الكراهية والتحريض والتي وصلت إلى حد التحريض على القتل مع التأكيد على ضرورة وقف هذه الممارسات ومحاسبة الذين تورطوا في تعبيرات تدخل في إطار خطاب الكراهية والدعوة إلى التمييز أو العنف ضد الفئات الدينية المهمشة، كما يشدد المركز على ضرورة المراجعة الشاملة للسياسات الدينية التي تؤسس للتمييز، بما فيها النصوص الدستورية والقوانين والقرارات الإدارية والتوجهات العامة لهيئات الدولة بما فيها المؤسسات الدينية الرسمية.
وفي هذا الصدد يدعو المركز إلى ضرورة تعلم ونشر مجموعة القيم التي يسودها التسامح كنهج حضاري يقضي بمنح الاخرين حرية التعبير عن الآراء والأفكار المغايرة وضرورة العيش وفقاً للمبادئ والمعتقدات المختلفة، وإلى الحوار بين الافراد والجماعات والقوي السياسية والمجتمعية، وذلك لإيماننا الراسخ باعتباره افضل الوسائل لحل الخلافات فهو من ضروريات الحياة ومن أهم وسائل الاحترام وتبادل المنافع وصولاً لترسيخ مبادئ ومفاهيم المساواة بين البشرية، وأن ممارسة التسامح واحترام حقوق لا تعني تقبل الظلم أو التخلي عن معتقدات أو التهاون بشأنها وإنما الإقرار بالأخر وأن آراء الفرد لا تفرض بالإكراه.